
الكاتب : المستشار الدكتور / حسين البدوي
عزيزي القارئ …. دعنا نحدث أنفسنا بصدق هل ذهبت يوماً إلى عملك وبدأت تتسأل ماذا سأعمل اليوم ؟ هل وقفت في مكتبك يوماً تبحث عن بعض الاوراق المتناثرة لتٌظهِرَ أمام مديرك مدى انشغالك وأنك تعمل بجد واجتهاد؟ وهل ترى أن أكبر اهتمامات رئيسك في العمل تنحصر فقط في التأكد من وجودك في مكتبك بصفة مستمرة؟
إذا كان هذا هو حالك في العمل …. فلا تحزن كثيراً فلست في هذه المشكلة وحدك وإنما هذا هو حال الكثير من المنظمات العربية، ولا تتعجب فالإجابة واضحة تماماً وهى أنك تعمل في منظمة بلا خطط وبلا أهداف واضحة وبلا طموح في النجاح والتميز المؤسسي.
إن عدم وجود خطة استراتيجية واضحة ومعلنة للجميع من العاملين والمتعاملين وكل من يتأثر ويؤثر في أعمال المنظمة، يعنى بداية التخطيط السريع للفشل الذريع، وهذا يعد أحد أهم وأخطر المشكلات الإدارية التي تواجه كثير من المديرين وكثير من المنظمات وخاصة في الدول النامية.
فالتخطيط بصفة عامة والتخطيط الاستراتيجي بصفه خاصة يجب أن يأتي على رأس الاولويات في أي منظمة سواء أكانت إنتاجية أم خدمية، وسواء أكانت ربحية أو غير هادفة للربح، وسواء أكانت منظمة عامة أو خاصة، فالكل يحتاج للتخطيط الاستراتيجي سعياً للوصول إلى التميز المؤسسي.
وتعود كلمة استراتيجية إلى أصول يونانية، حيث اشتقت من كلمة Stratagem والتي تعني في اللغة اليونانية فن التخطيط العام لحملة عسكرية، أي أن أصلها يعود إلى التخطيط في المجال العسكري، وقد أوسع نابليون مفهوم استخدام الاستراتيجية لتشمل الجوانب الاقتصادية والسياسية التي تحسن من فرص النصر العسكري، وقد بدأت التطبيقات الأولى الفعلية للتخطيط الاستراتيجي في العصر الحديث في بداية الستينيات في وزارة الدفاع الأمريكية.
وبعد أن أثبت هذا النظام نجاحاً باهراً، دعا الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون إلى تطبيق نظام التخطيط الاستراتيجي في جميع الأجهزة الفيدرالية للحكومة تحت مسمى نظام التخطيط والبرامج والموازنة، ومع نهاية الستينيات عبر التخطيط الاستراتيجي حدود الولايات المتحدة إلى أوروبا ومنها إلى جميع دول العالم، ولعل ماليزيا خير مثال على نجاح تطبيق التخطيط الاستراتيجي، وهى الأن تجنى الثمار الطيبة والنجاحات العظيمة.
إن العالم يمر من حولنا الان بمرحلة من أهم مراحل التاريخ من حيث التطور السريع والمتلاحق، في كافة مناحي الحياة، حيث تصاعدت وتشابكت عوامل التغيير في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأظهرت تلك المتغيرات الحديثة واقعاً إدارياً جديداً للمنظمات العامة والخاصة على السواء، مما أوجب على تلك المنظمات ضرورة التكيف والتأقلم مع بيئتها الداخلية والخارجية.
وللتخطيط الاستراتيجي أهمية كبرى أيضاً في حياة الانسان كما هو هام جداً في حياة المنظمات، فهو بمثابة البوصلة والمؤشر الدقيق الذى يساعدنا على التعرف على واقعنا الحالي “أين نحن الآن” لنتعرف عن قرب على نقاط قوتنا ونقاط ضعفنا، وما هي الفرص المتاحة أمامنا لاجتذابها وما هي التهديدات المحتملة لتفاديها ومحاولة التغلب عليها.
كما يساعدنا على صياغة أهدافنا المستقبلية المنشودة، “إلى أين نريد أن نذهب” والعمل على وضع خارطة طريق واضحة للتعرف على كيفية الوصول إلى ما نصبو إليه من مكانه عالية وكيف يمكننا تطوير مؤسساتنا العربية لنصبح من الرواد في المستقبل بإذن الله تعالى.
وإذا كانت وظائف الإدارة أو وظائف المدير تقوم على أربع عمليات رئيسية (التخطيط، تنظيم، توجيه، رقابة) فإن التخطيط يمثل النشاط الأول والرئيسي في العملية الإدارية، فهو بمثابة العمود الفقري لجميع وظائف الإدارة، حيث نجد التخطيط أساس عملية التنظيم بما تشمله من تطوير للهياكل التنظيمية واللوائح والسياسات والإجراءات، والتي تساعد على تحقيق الأهداف النابعة من التخطيط، وهو أيضاً أساس عملية التوجيه والقيادة، التي تعمل بدورها على تحفيز العاملين نحو تحقيق الأهداف.
كما أن التخطيط هو أساس عملية الرقابة التي تعمل على التأكيد على أن المعايير المحددة بالأهداف تم تحقيقها فعلياً، والتعرف على الانحرافات عن تحقيق الأهداف إن وجدت، ولآن جميع تلك العمليات السابقة تعتمد على الأهداف فإن الأهداف بدورها تنبع من عملية التخطيط السليم والموجه بطريقة علمية سليمة.
لذا أدعوك عزيزي القارئ إذا كنت رئيساً لشركة أو مديراً لإدارة أو مسئولاً عن إحدى فروع شركتك وتسعى للتميز في عملك وبين موظفيك، أو إذا كنت موظفاً وتتمنى يوماً أن يكون امامك خطة عمل واضحة وجدول عمل شهري وسنوي يوضح لك ما هو مطلوب منك بدقة ووفق توقيتات زمنية محددة، وأن يتم تقييم جهودك وعملك وفق أسس علمية سليمة وليس وفق الاهواء الشخصية لمديرك في العمل، فعليك أن تبحث عن الكنز المفقود بين مؤسسات الشرق والغرب وأن تجتهد في التعرف عن قرب على هذا الكنز للتعرف على كيفية إعداد وتنفيذ ورقابة الخطة الاستراتيجية لشركتك والسعي للتحسين المستمر والتميز المؤسسي.
إن التخطيط الاستراتيجي في فلسفته يعمل على تعليم القيادات مهارات أساسية فهو يساعدك على التعرف على كيف تفكر، كيف تقرر، كيف تنفذ، كيف تقيم النتائج، كيف توزع الادوار بشكل صحيح، ودعوني أهمس في أذن كل مدير عربي …. أرجوا منك أن تتذكر وانت تعد الخطة الاستراتيجية لشركتك الا تكتبها وانت في برجك العاجي وخلف مكتبك الفاخر، وإنما عليك النزول إلى أرض الواقع، هناك ستجد الكثير من الحقائق الغائبة، هناك بين عملائك وبين العاملين في شركتك في المستويات التنفيذية ستجد المشكلات وستجد الحلول، منها الابداعية ومنها التقليدية وعليك التدقيق والاختيار من بين البدائل والاختيارات.
يا كل مدير ومسئول، أطلقوا الحريات للعاملين معكم لاستخراج الذهب المفقود، أطلقوا الطاقات الابداعية الكامنة في عقول ثرواتكم البشرية، ولا تستثمرون في رأس المال فقط، بل تطلعوا إلى الاستثمار في رأس المال البشرى، فهو أهم وأخطر بكثير، فالمؤسسات التي لا تستطيع استثمار عقول ثرواتها البشرية لمحاولة توليد أفكار ابتكارية للخروج باختراعات جديدة، هي بلا شك شركات مفلسة إدارياً.
ولنعلم جميعاً أن فن ومهارة تحفيز الآخرين فن راقي يعرف أهميته القادة والمبدعون، وعندما تكون مسئولاً أرجوك حاول جاهداً أن تستشعر متاعب من يعملون تحت قيادتك وتداويها، فهذا الاسلوب الأبوي في الإدارة ليس جديداً وإنما هو غيض من فيض أخلاق رسولنا الكريم صلَ الله عليه وسلم الذى علمنا الرحمة وأن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك، وفى العصر الحديث لاقى هذا الاسلوب الأبوي نجاحاً باهراً عرفته اليابان وعملت به فأصبح العامل في اليابان يحب عمله بشكل عجيب.
وختاماً أريد أن أذكرك عزيزي القارئ ….. كما أن لك أهداف في حياتك تتمنى الوصول اليها فإن لكل إنسان أيضاً أهداف في حياته يتمنى تحقيقها والوصول إليها، فرجاء لا تنساها أو تتناساها وأنت تعد الخطة الاستراتيجية للشركة التي تعمل بها، ولتعلم جيداً أن التخطيط الاستراتيجي الناجح هو رحلة شيقة من السعي الجماعي الجاد، للوصول للتميز والريادة والإبداع المؤسسي